لفترة طويلة، كانت المثلية الجنسية في الجزائر موضوعاً يُواجه بالصمت والإنكار. فكان الموضوع يتم إخفاؤه تحت غطاء السرية ولا يطفو أبداً على سطح النقاشات العامة. ولكن في خلال هذه السنة، يبدو أن السلطات الجزائرية قرّرت تحريض المجتمع الجزائري الذي يعاني من رهاب المثلية ضد مجتمع ال LGBTQ، وفقاً لناشط محلي يدافع عن حقوق المثليين.
ويقول زهير الجزائري، الذي يستخدم اسماً مستعاراً خوفاً من الملاحقة، أنّ سلسلة من التقارير التلفزيونية الواسعة الإنتشار والتي تهاجم المثليين وتصفهم بأنهم “مجرمين” و”مرضى” أثارت موجة من الخوف داخل مجتمع الLGBTQ.
“عدد الناس الذين يخبؤون هويتهم الجنسية ويمتنعون عن أي سلوك ممكن أن يشير إلى ميولهم الجنسي يزداد،” يؤكد الجزائري. ويضيف، “هناك حالة من الذعر.”
وعلى الرغم من أن السلطات لا يبدو أنها عامةً تلاحق المثليين وتلقي القبض عليهم، يخاف الأفراد الLGBTQ في الجزائر من التعرض للنبذ من المجتمع، والرفض من قبل العائلة والأصدقاء وفقدان الوظائف في حال عُرف أنهم مثلييون.
وقامت برامج تلفزيونية بُثت هذا العام على تلفزيون هوغار، قناة تلفزيونية خاصة، ونُشرت على موقع يوتيوب، بوصف المثليين جنسياً في الجزائر على أنهم “عبدة للشيطان”. وقالت البرامج عن ما أسمته ظاهرة المثلية الجنسية بأنها “انحراف مثير للاشمئزاز” وبأنها مستوردة من الغرب. وقامت البرامج ببث مقابلات عديدة مع الناس في شوارع الجزائر بهدف عكس مدى إدانة المثلية الجنسية في المجتمع.
وقال الجزائري أن السلطات الرسمية هي وراء هذه الحملات الإعلامية التي ظهرت على وسائل إعلام تدعمها الحكومة، إذ أنّ جميع محطات التلفزيون في الجزائر تدعمها شخصيات داخل الحكومة. وقال إنّ استراتيجية الحكومة ليست ملاحقة المثليين بشكل رسمي، وهو أمر إذا حصل قد يؤدي إلى إدانة من المنظمات الحقوقية الدولية والإتحاد الأوروبي، ما لا تريده السلطات.
“تعرف الحكومة أنه من الأسهل تقليب الناس ضدنا، فهي تعرف أنّ الناس ستستجيب”، يقول الجزائري، الذي كان شخصياً هدفاً لحملة إعلامية حاولت تشويه سمعته في العام الماضي.
وقد دفعت الحملات العدائية هذه، “أبو النواس” و”ألوان”، وهما جمعيتان حقوقيتان تدافعان عن حقوق المثليين في الجزائر، ولو كان عملهما سرّياً، بتعليق أنشطتهما تماماً. ويقول الجزائري أنّ بعض زملائه غادروا البلاد بالفعل ومُنحوا اللجوء في أوروبا.
في السابق، كانت تقوم تلك المجموعتين بحملات توعية حول حقوق المثليين على نطاق ضيّق وتنشر مجلة على الإنترنت وأشرطة الفيديو لتعزيز حقوق الLGBTQ.
مؤخراً، أعلن وزير الشؤون الدينية أنّ الحكومة الجزائرية سوف تشن حرباً ضد الذين يدعمون المثلية، وهو ما يسبب “إنحراف الأخلاق وتفكيك الأسرة”، بحسب ما قال. وأضاف أن هذه المعركة لها الأولوية على “مجابهتنا للداعشية”.
ويبقى من غير الواضح ما عناه الوزير بالحرب ضد المثليين جنسياً.
ويقول الجزائري أنّ الهدف من وراء هذه الحملات الإعلامية هو تحييد الأنظار عن المطالب المشروعة للتغيير الإجتماعي والسياسي، إذ تتخوف السلطات من أن تطال الجزائر موجة الربيع العربي من احتجاجات ومطالبات.
وأضاف أن مجتمع الLGBTQ في الجزائر ليس لديه حلفاء داخلياً اليوم لأن المدافعين عن حقوق الإنسان إما لا يعترفون بحقوق المثليين إذ يقولون أنها فئة لا تستحق أنّ يُدافع عنها أو لأنهم يخشون من أنّ يؤثر ذلك سلباً على وضعهم الهش أصلاً.
كيف يؤثّر هذا المناخ من الخوف على عملية التواصل بين المثليين والنشطاء عبر الإنترنت في الجزائر؟
يقول الجزائري أن الحكومة استثمرت في معدات باهظة الثمن لمكافحة ما يُسمى بجرائم الإنترنت. “على الرغم من أنّ السلطات تقول بأنها تستخدم أدوات الرصد هذه ضد الإعتداء الجنسي على الأطفال وغيرها من الجرائم الإلكترونية، نحن نعتقد أنه يتمّ استخدام هذه التقنيات لمراقبة النشطاء ومن ضمنهم الذين يدافعون عن حقوق المثليين”.
ماذا عن الدردشات ضمن مجتمع الLGBTQ؟
يقول الجزائري أنّ التطبيقات الخاصة بالدردشة لا تزال وسيلة واسعة الإنتشار للقاءات. “حتى الآن، لم تحاول السلطات اعتقال الناس من خلال هذه التطبيقات مثل ما هو الحال في مصر”، يؤكد الجزائري. ويضيف: “ولكن سابقاً، كان عدد أكبر من المثليين يجرؤون على وضع صور لوجوههم في بروفايلاتهم. أما الآن فهم يخافون لذا تراهم يُظهرون أجزءاً من أجسامهم أو صوراً لا تدلّ عليهم”.
ومن الصعب تقييم ما إذا كانت الحملات الإعلامية قدّ أدّت إلى زيادة في جرائم الكراهية ضد المثليين جنسياً أو إلى زيادة حالات الإبتزاز. وقال الجزائري أن مثل هذه الحالات عند حدوثها لا يُبلّغ عنها. “الناس يخشون الذهاب الى الشرطة إذا تمّ الإعتداء عليهم بسبب ميولهم الجنسية، فقد يتمّ إعتقالهم لأنّ ما يسمى بالممارسات المخالفة للطبيعة أمرٌ يُعاقب عليه القانون”.
يعاقب القانون في الجزائر الممارسات المخالفة للطبيعة وما يسمى بالفسوق لمدة تصل إلى عامين في السجن وغرامة كبيرة نسبياً.
وقال الجزائري أنّ هناك عدد متزايد من الصفحات على الفيسبوك والتعليقات على شبكة الإنترنت التي تبث رسائل كراهية ضد المثليين جنسياً وتصفهم بأنهام “منحطون” و”مرضى”.
وتدّعي هذه الرسائل عادة أنّ ظاهرة المثليين يتم استيرادها من الغرب للنيل من التقاليد الجزائرية وأنّ المثليين جنسياً ينصبون فخوخ للأطفال للإعتداء عليهم.
وأضاف “نطلب دوماً من المسؤولين عن الفيسبوك إغلاق هذه الصفحات التي تبث الكراهية. في بعض الأحيان يستجيبون إلينا ولكن في أحيان أخرى يقولون لنا أن الصفحة لا تتعارض مع قيم الشبكة الاجتماعية “.