يمكن القول أنّ نور وزملاءها يعيشون في واحدة من الدول العربية الأكثر قمعاً للأفراد الLGBTQ ، يعيشون في مصر. يتعرّض الرجال مثليو الجنس ومتغيرات الجندر أو النوع الإجتماعي للإعتقال وبشكل روتيني من قبل الشرطة، وهم غالباً ما يواجهون التعذيب في السجن وتصدر ضدهم أحكام بالسجن لفترات طويلة أحياناً. لكنّ هذا الواقع القاسي، لم يردع بعض النشطاء مثل نور (ليس إسمها الحقيقي) من النضال من أجل حقوق الأفراد الـLGBTQ في مصر.
“بداية”، هي جمعية أسستها نور مع عدد من زملائها. يجتمعون في أماكن سرّية في مدن مصرية مختلفة مثل القاهرة والإسكندرية وطنطا وغيرها. ويقومون بتنظيم ورش عمل وتقديم المشورة والمساعدة القانونية، وكذلك إعطاء النصائح في مجال الصحّة النفسية، للأفراد الـ LGBTQ . هدف الجمعية الأساسي، لا يخلو من الجرأة وهو مساعدة الأفراد الLGBTQ في مصر والسودان لعيش “حياة خالية من التمييز والشعور بالعار”. وتحاول الجمعية الوصول إلى أهدافها من خلال مبادرات تساعد في منح فرص جديدة لتلك الجماعات المضطهدة في مجتمع يعاني من درجات مرتفعة من رهاب المثلية.
“لا يتقبّل الأناس الLGBTQ أنفسهم في مصر. فالعديد منهم يعتبرون أنفسهم مرضى أو أنهم يقومون بمعصية أو خطيئة. لهذا السبب قررنا أن نعمل بشكل رئيسي على تمكين الأفراد الLGBTQ من اكتساب ثقة أكبر بأنفسهم” تقول نور وتضيف: “وإلا، كيف يمكن أن نقنع المجتمع بأسره أنّنا أناس عاديون إذا كنّا نحن أنفسنا غير مقتنعين بعد بذلك؟”
وتشمل أنشطة “بداية” جلسات إستشارية مع معالجين نفسيين متخصّصين، يشرحون أنّ الميول الجنسية المثلية ليست بأمرٍ غير طبيعي. وتقول نور أنّ العثور على أخصّائيين نفسيين تقدميّين لا يعتبرون المثلية الجنسية مرض كان تحدٍ بالنسبة للجمعية، وتؤكد أنّ الغالبية العظمى من الأطباء في مصر يلجؤون إلى ما يعرف ب”العلاجات التحويلية” لتغيير الميول الجنسية لدى الأفراد وهو أمر يرفضه العلم الحديث ويعتبره غير علمي وغير أخلاقي.
وتهتم الجمعية بشكل خاص بموضوع الدين إذ أنّ المعتقدات الدينية هي سبب رئيسي يدفع العديد من الأفراد ال LGBTQ إلى كراهية الذات في المجتمع المصري المتديّن جداً عامةً.
“نحاول إقناع الأفراد الLGBTQ أنّه لا يوجد أي تناقض بين الإيمان بالدين وممارسته من جهة والميول الجنسية غير التقليدية من جهة أخرى”، تقول نور مضيفةً أنّ الجمعية تلجأ إلى نصوص دينية تُظهر التسامح في الدين وذلك من أجل تسليح الأفراد الLGBTQ لمواجهة تعصّب المجتمع.
تقوم الجمعية أيضاً بتزويد الأفراد الLGBTQ بأدوات الأمن الرقمي لحماية أنفسهم أونلاين وخاصةً ضد محاولات الإيقاع بهم واعتقالهم. ومن الشائع في مصر إيجاد مخبرين تابعين للشرطة متخفّين على تطبيقات ومواقع الدردشة وذلك لجذب الرجال المثليين بهدف ابتزازهم أو إلقاء القبض عليهم.
وتقوم ورش العمل التي تعطيها بداية بتعليم المثليين كيفية أخذ الإحتياطات وتوخي الحذر عند استخدام تلك التطبيقات والمواقع، فهم ينصحونهم بعدم ارسال صورهم الشخصية، وإعطاء معلومات خاصة بهم أو الموافقة على لقاء الآخرين قبل بناء علاقة ثقة معهم. كما يعلّمونهم كيفية إخفاء التطبيقات الخاصة بالأفراد الLGBTQ على هواتفهم المحمولة، وعدم الدخول إلى تلك التطبيقات عن طريق الفيسبوك واستخدام تطبيقات آمنة في اتصالاتهم، مثل TextSecure، بدلاً من Viber أو Whatsapp.
وقد حصلت بداية على دعم من بعض المحامين المناصرين لقضيتهم، والذين قبلوا تولّي الدفاع عن الأشخاص المتهمين بارتكاب أفعال جنسية مثلية. والملفت في مصر، أنّه لا توجد قوانين تجرم المثلية الجنسية بشكل مباشر وصريح. وتلجأ السلطات إلى قوانين عامة ضد “الفجور” والدعارة لملاحقة الرجال المثليين والنساء الترانس. وتبقى عمليات إعتقال المثليات أمراً نادراً.
وتقول نور: “ومن الشائع أنّ يقوم الرجال الشرطة بكتابة أنّهم وجدوا مبلغ من المال في تقاريرهم لإعطاء حالات الإعتقال صفة الدعارة.” وتضيف “أن المحامين يحاولون إثبات أنّ الإعتقالات تأتي على أسس غير قانونية”.
منذ العام ٢٠١٣، سجلت “بداية” ٢٥٠ حالة إعتقال متعلقة بالمثلية الجنسية. وقد تطورت تلك الإعتقالات على الأقل في ١٠٠ حالة إلى تهم جنائية وعقوبات قاسية من سنتين إلى 12 سنة سجن.
وتقول نور أن المعتقلين يتعرضون لفحوص شرجية قسرية وكذلك لاعتداءات لفظية وجسدية أثناء الإعتقال.
وتعمل جمعية “بداية” في ظلّ ظروف صعبة للغاية. فمثلاً، بما أنّ نور وزملاءها غير قادرين على تسجيل جمعيّتهم رسمياً، هم مجبرون على العمل سراً لتجنّب الملاحقة القانونية. وقد تمّ تأسيس الجمعية في عام 2010 بالإعتماد على مواردهم الخاصة والمساعدة من مجموعات مناصرة لقضيتهم. ويستخدم أعضاء الجمعية أدوات الأمن الرقمي للاتصال في ما بينهم، وهم حريصون جداً على عدم إعطاء أي معلومات قد تشير إلى هوياتهم الحقيقية والأماكن التي يعملون منها.
وفي أعقاب الثورة المصرية في عام 2011، كان أفراد الجمعية يعقدون آمالاً كبيرة بالتغيير مع ظهور جو عام إيجابي يدفع نحو تحقيق الحقوق الخاصة والمدنية. ولكن مع تزايد عمليات الضغط على النشطاء السياسيين والإجتماعيين بشكل عام، باتت تلك الأحلام غير واقعية. فاليوم معظم المثليين في مصر يعيشون في حالة من الخوف بعد عدة إعتقالات طالتهم في أماكن عامة وحتى في شقق ومنازل خاصة. حتّى أنّ الجمعية اضطرت لتوقيف نشاطاتها لبضعة أشهر العام الماضي وذلك لأسباب أمنية.
ومن أهمّ التحديات الأخرى التي تواجه المجتمعات الـ LGBTQ في مصر هي وسائل الإعلام المعادية، فمعظم الصحف ومحطات التلفزيون تعتبر المثلية على أنها “إنحراف” وتحرضّ لاعتقال المثليين جنسياً.
وبحسب نور “تستخدم الحكومة الحملات الإعلامية ضد المثليين جنسياً لإعطاء صورة على أنها تحافظ على الأخلاق العامة وتحارب الرذيلة”.
هذا ما دفع بداية أنّ تنظم ورش عمل للأفراد الLGBTQ حول مبادئ الصحافة وآدابها بهدف تشجيع الكتابة الإيجابية حول القضايا المتعلّقة بالمثلية والترانسجندرية.
وترغب الجمعية بتوسيع أنشطتها إلى مناطق أخرى من مصر حيث واقع الأفراد الـ LGBTQ قد يكون أصعب مما هو عليه في العاصمة أو المدن الكبرى، ولكنها تفتقر إلى الموارد البشرية والمالية للقيام “بمهمة ضخمة” كهذه.
وفي السودان، تعتبر أنشطة الجمعية محدودة نسبياً. هناك، تدين القوانين المثلية بشكل واضح ويمكن حتّى أن يُحكم على المثليين جنسياً بالإعدام. ولكن، بشكل عام، وفقاً لنور، هناك عدد أقل من الاعتقالات في السودان ضد الأفراد المثليين والمسألة هي أكثر من المحرمات.
“الثقافة هناك أكثر قبلية. لذا فإن المشاكل التي يواجهها الأفراد الLGBTQ هي إجتماعية أكثر منها أمنية،” تؤكد نور.