شهدت الأشهر الأخيرة إرتفاعاً في حجب المواقع الإلكتروني والقنوات التلفزيونية نتيجة الأزمة بين دول الخليج ومصر من جهة وقطر من جهة أخرى. التبرير الذي أُعطي أن قطر داعمة الإرهابيين ولذلك يجب حجب أدواتها الإعلانية بما فيها قناة الجزيرة.
سياسة الحجب هذه ليست غريبة على الحكومات العربية التي تشتهر بإسكات الأصوات المعارضة. في السعودية وحدها يتم حجب ألألاف من المواقع ذات المحتوى السياسي، والثقافي، والديني. اليمن، الإمارات والبحرين تشتهر أيضاً بحجب المواقع السياسية المعارضة للحكم. الحجب يمتد إلى خدمات الإنترنت كخدمة الاتصال عبر الإنترنت المعروفة بالڤويب أو أدوات التعمية وتجاوز الحجب.
الاعتداء على حرية الرأي والتعبير على الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مألوف منذ الفترات الأولى لدخول الإنترنت إليها. استخدمت الحكومات أساليب مختلفة لتضييق المساحات الرقمية من خلال الاعتداء على مدونين لأجل مقالة أو تغريدة كتبوها، وحبسهم وتعذيبهم وقتلهم كما هي الحال مع بعض مع بعض الناشطين والمدونين السوريين.
البلدان العربية الغنية تستعمل تقنيات متطورة لحجب وفلترة المحتوى. كما أن العديد من الحكومات لجأت مؤخراً إلى قطع الانترنت للتأثير على الحراك الشعبي أو حتى لمنع الطلاب من الغش في الامتحانات الرسمية، كما حدث في العراق والجزائر في السنة الماضية. وتبرر هذه الحكومات أساليبها القمعية بأسباب تتعلق بالأمن القومي أو الدين.
تقبع الإنترنت في العالم العربي تحت رحمة الحكومات التي بأغلبها، مع بعض الاستثناءات القليلة، لا تراها كأداة لحرية الرأي والتعبير. الإنترنت بالنسبة لهذه الحكومات وسيلة تواصل يُنتَفَع منها ولذلك يصبح الحجب والقطع أموراً مشروع القيام بها. تلك نظرة للحكومات ولكن كيف ينظر المجتمع ومواطنو هذه البلدان للإنترنت؟ استطلاع بجامعة نورث وسترن يجيب جزئياً عن هذا السؤال حيث يكشف أن المجتمعات الغربية في أغلب البلدان الغربية يعيش حالة من التناقض عندما يتعلق الأمر بالانترنت وحرية الرأي والتعبير.
نسبة كبيرة من المُستطَلَعين من لبنان، مصر، قطر، السعودية، تونس، والإمارات قالت إن الإنترنت لا تزيد من تأثيرها على السياسة في محيطهم. من الغريب أيضاً أالمُستطَلَعين ن بعض البلدان كقطر أيّدوا تشديد القوانين على الإنترنت. حتى المستَطلعين أصحاب الشهادات يدعمون مبدأ حرية الرأي ولكن لا يعبّرون عن آرائهم بحرية.
بينما تنبع النتائج السلبية للاستطلاع من ثقافة الخوف والقمع التي تخلقها ممارسات الحكومات في الكثير من البلدان العربية، هي أيضاً لديها جذور في نظرة المواطنين العرب لحرية الرأي والتعبير. لم يرى العديد من المُستَطلَعين انتقاد الحكومة كحق طبيعي لهم أو أن خصوصيتهم على الإنترنت مهمة بحيث أنهم لا يعيرون الكثير من الأهمية لتتبّع الحكومات والشركات لنشاطاتها على الإنترنت مقارنةً مع مستخدمي الإنترنت في دول أخرى.
هذا الاختلاف لا يعني أبداً أن مستخدمي الإنترنت في الدول العربية هم بالضرورة أقل مستوى تكنولوجياً من نظرائهم في بلدان أخرى أو أنهم يستعملون الإنترنت أقل. على العكس من ذلك، معدلات استخدام الإنترنت في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي واحدة من الأسرع نمواً في العالم. ولكن غياب ثقافة حرية الرأي والتعبير يؤدي إلى رقابة ذاتية ويدفع بالمواطنين السعوديين والاماراتيين مثلاً لدعم حجب وسائل الإعلام القطرية لأن هذا الشيء طبيعي لديهم. ومن سخرية القدر، أن وسائل الإعلام القطرية نفسها، وبالأخص الجزيرة عربي التي ترفع شعار “الرأي والرأي الآخر“، باءت بالصمت عندما حجبت نفس الدول هذه منصات إعلانية ذات إتجاه سياسي مختلف عن ذلك الذي تتبعه الجزيرة.
يكمن التحدي الرئيسي اليوم في زيادة وعي المواطنين الرقميين في المنطقة العربية حول أهمية الإنترنت في زيادة مساحات الرأي والتعبير والإدراك أن هذه الحريات غير قابلة للتقسيم أو الانتقائية لأنها الأساس لأي نشاطات اجتماعية وسياسية بنّاءة تخلق مجتمع منفتح يحمي حقوق الإنسان.
بالرغم من سوداوية المشهد يقوم الشباب العربي بتجاوز الجدران الإلكترونية التي تضعها حكوماتهم بأساليب فعًالة كأدوات تجاوز الحجب، أو ما يُعرَف أيضاً بكاسر البروكسي. كما أن العديد من منظمات وأفراد المجتمع المدني و منصات إعلامية جريئة تتحدى الممارسات الحكومية للتحكم بالمعلومات عبر مبادرات ونشاطات لزيادة الوعي حول الحقوق الرقمية. ومن الواجب على كلٍ منّا تشجيع هكذا مبادرات عبر مشاركتها ومناقشتها مع أوساطنا الاجتماعية لتعم الفائده.
Photo source: https://soundmigration.wordpress.com/2015/04/20/labour-censorship-ireland-social-media/