في الظاهر، قد يبدو لبنان منفتحاً حيال المجتمعات المثلية (LGBTI). لا سيما بالمقارنة مع بلدان عربية أخرى. بيروت هي ملاذ للمثليين والمتحولين جنسياً في المنطقة. فالمدينة تحتوي على نوادٍ ليلية وحانات للمثليين جنسياً والعديد من مواطنيها يعيشون حياةً من الإنفتاح في أجواءٍ من التقبّل النسبي.
ولكن بمجرد خدش هذه القشرة من الإنفتاح، يصبح الواقع أكثر تعقيداً، فالحديث عن حقوق المثليين بصورة عامة قد يكون مضللاً.
“الحديث عن حقوق المثليين يختلف في لبنان بحسب الطبقة الاجتماعية التي ينتمي لها الأفراد والموقع الجغرافي الذي يعيشون فيه، سواء كنا في بيروت أو خارج بيروت”، تقول غنوة سمحات، مديرة جمعية حلم، وهي جمعية لحماية حقوق المثليين والمتحولين جنسياً (LGBTI) وهي أول جمعية تظهر إلى العلن في هذا المجال وتعمل في الحقل العام منذ عشر سنوات.
بشكل عام، يواجه الأشخاص المثليين من الطبقات الإجتماعية الأفقر صعوبات أكبر مع السلطات ومحيطهم الاجتماعي. وهم أكثر عرضة للاعتقال من قبل الشرطة في نظام طبقي بشكل كبير.
ويبقى الأفراد المتحولون جنسياً هم المجموعة الأكثر هشاشةً. وتقول سمحات أنه بسبب مظهرهم الأكثر وضوحاً في مجتمعات لا تتقبل ما تراه تشبّهاً بالجنس الآخر، تكون هذه المجموعة ضحيّة للتحرش والتمييز من قبل المجتمع.
والأفراد المتحولون جنسياً هم أيضاً أكثر عرضة للتوقيف والإعتقال من قبل الشرطة في الشوارع. في لبنان، مجرد الإشتباه، في مكان عام، بميول الشخص الجنسية بسبب المظهر أو السلوك “المشبوه” قد يؤدي إلى التوقيف والإعتقال.
وتلفت سمحات إلى “أن إلقاء القبض على أفراد بسبب ميولهم الجنسية يقلب حياتهم رأساً على عقب”.
من النادر أن يتمّ إلقاء القبض على الأفراد المثليين في حالة تلبس. السيناريو الأكثر شيوعاً هو أن رجال الشرطة يقومون بالاطلاع على محتوى الهواتف النقّالة للأشخاص المشتبه بهم ويعثرون على صور أو محادثات تدل على الميول الجنسية. هذا النهج في التصرّف من قبل السلطات طبعاً غير قانوني، وفقاً لسمحات التي تؤكد أن مسؤولي الأمن لا يحق لهم التحقّق من ممتلكات الأفراد الشخصية، مثل الهاتف المحمول، إلّا بإذن من القضاء.
وتستمر سلسلة الخطوات غير القانونية في مراكز الشرطة بعد عملية إلقاء القبض على المشتبه بهم، وهم غالباً ما يجهلون حقهم في طلب محامٍ كما يخضعون لسوء المعاملة النفسية والجسدية حتّى.
وتقول سمحات “المحققون يهددونهم بالبوح لوالديهم حول ميولهم الجنسية، كما يلجؤون للضرب والإهانة والابتزاز”. وتشير إلى أنّ جمعية حلم أصدرت تقريراً في شهر أيار تضمن توثيقاً للانتهاكات التي تُرتكب ضد الأفراد المثليين والمتحولين جنسياً من قبل السلطات المكلفة بحماية المواطنين وتنفيذ القانون.
الهدف من وراء هذه الأشكال من الترهيب هو انتزاع اعتراف لإحالة الأفراد إلى القضاء. في لبنان، تبقى الممارسات الجنسية المثلية مخالفة للقانون، ولو كانت صياغة القانون الذي يجرّم المثلية الجنسية غامضة. وتنص المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني، التي يعود تاريخها إلى الأربعينيات، أنّ “كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة”.
في العام الماضي، أدّت مداهمة لحمام تركي في بيروت إلى إلقاء القبض على عشرات من الأفراد الذين اتهموا بممارسة “المجامعة المخالفة للطبيعة” والدعارة السرية. وقد سجّلت جمعية حلم وجمعيات حقوقية أخرى انتهاكاتٍ خطيرة من قبل السلطات مرتبطة بالاعتقالات والإستجوابات بما في ذلك التعذيب. وتبقى المحاكمات في قضية “حمّام الآغا”، والتي طالت مواطنين لبنانيين ولاجئين سوريين، جارية.
وحتّى لو بدى أنّ تغيير القوانين التي تستعمل في تجريم المثلية أمراً صعباً اليوم، تقول جمعية حلم أن مجتمعات (LGBTI) في لبنان قد حققت مكاسب كبيرة في السنوات الأخيرة.
فاليوم العديد من المؤسسات الإعلامية تدافع عن حقوق المثليين والمتحولين جنسياً في تقاريرها الصحفية. واستخدام كلمة “المثلية” الغير مهينة، بدل كلمة “شذوذ” أو “لواط” والتي تحمل معانٍ جدّ سلبية، انتشر على نطاق واسع في المجتمع.
وفي حالتين قضائيتين بارزتين، خلصت أحكام تقدمية من قبل القضاء بأن الطبيعة وما يسمى السلوكيات الطبيعية هي مفاهيم معقّدة يحددها الأفراد أنفسهم ولا يمكن تعريفها بطريقة تجرّم المثلية الجنسية.
تجدر الإشارة أيضاً إلى إنّ المجتمع المدني قاد في السنوات الأخيرة حملة كبيرة ضد “الفحوصات الشرجية”، وهي ممارسات يرفضها العلم الحديث، وكانت تجرى في المخافر لتحديد المثلية الجنسية لدى الأفراد. وبعد توصيف تلك الفحوصات التي كانت تُجرى عادةً في مخافر الشرطة على أنها ممارسات مهينة بحق الأفراد وهي أشبه بالإغتصاب والتعذيب النفسي والجسدي، قامت وزارة العدل ونقابة الأطباء في بيروت في عام 2012 بحظّر الأطباء الشرعيين من إجراء تلك الفحوصات.
وتقول سمحات أنّه للأسف ورغم هذا فإنّها تعتقد أنّ هذه الفحوصات، التي تسمّيها الجمعيات “فحوصات العار”، لا تزال تمارس بشكل سرّي في مراكز الشرطة من قبل الأطباء.
من الصعب جداً تقدير عدد الأشخاص الذين يتمّ القبض عليهم في لبنان بسبب ميولهم الجنسية. فالمنظمات مثل حلم لا تستطيع الوصول إلى السجلات الرسمية المتعلقة بمثل هذه الحالات، والكثير من الأفراد المثليين الذين يتمّ القبض يفضلون الصمت خوفاً من وصمة العار في مجتمع في غالبه محافظ.
أما بالنسبة للأمن على الانترنت، هناك درجة معقولة من حرية التعبير في لبنان عندما يتعلق الأمر بنشر محتوى ذا صلة بالثلية على وسائل الاعلام الاجتماعي. ومع ذلك، الاعتراف بالتوجه الجنسي على الانترنت يمكن أن يُستخدم من قبل السلطات.
أما بالنسبة لتطبيقات التعارف التي يستخدمها المثليون على الهواتف النقّالة، . Grindr تقول سمحات أنّها لا تزال آمنة مثل
ولكن من المستحسن أن يقوم الأفراد المثليون بحذف أية صور أو دردشات تشير إلى هويتهم الجنسية بشكل متكرر لتجنب تعرضهم للمتاعب في حال تمّ توقيفهم بشكل غير متوقع من قبل السلطات.
وتبقى المشكلة الأساسية المتعلقة بتلك التطبيقات هي عمليات الإبتزاز من قبل أشخاص يطلبون مبالغ مالية، ويهددون الأفراد المثليين إن لم يدفعوا لهم بأنهم سيفشون سرهم لأهلهم والشرطة.
“شهدنا حالات ابتزاز لأفراد استمرت في بعض الأحيان لمدة 8 أو 9 سنوات. بعضهم يدفع مبلغ شهري للمبتذ لإسكاته” تقول سمحات.
تنصح جمعية حلم بتوخي الحذر أثناء الدردشة مع غرباء وعدم إرسال صور أو فيديوهات ممكن أن تعتبرها السلطات بحال استحوذت عليها بأنها “مخلّة للآداب العامة”.
وتشدّد سمحات أنه تبقى أفضل طريقة للتعامل مع المبتزين هي عدم الإنصياع إلى طلباتهم مهما كانت.
والحملات عبر الإنترنت هي جزء كبير من عمل جمعية حلم. وتعمل الجمعية حالياً على إطلاق حملة توعية من خلال وسائل الاعلام الاجتماعية للفت الانتباه إلى خطر إلتقاط الأمراض المنقولة جنسياً وطرق الوقاية منها ومعالجتها. ويأتي ذلك بعد عشر سنوات من العمل في مجال الوقاية في الميدان من خلال عيادات متنقلة في مناطق قد ينتشر فيها الأفراد الذين يبحثون عن علاقات جنسية. وكانت تلك العيادات تقوم بتوزيع الأوقية الذكرية وتُجري اختبارات فورية لفيروس نقص المناعة البشرية والتهاب الكبد.
ويبقى التحدي الكبير المقبل لجمعية حلم هو نشر أنشطتها خارج بيروت. وتقول سمحات أنّ الجمعية قد بدأت فعلاً بإطلاق الحملات في مناطق محافظة حيث الأفراد المثليين أقل وعياً لحقوقهم وأكثر عرضة للتمييز.